فصل: شهر ذي القعدة سنة 1218:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ذي القعدة سنة 1218:

استهل بيوم الإثنين، فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الأرنؤد من القلعة، وكانوا نحو الأربعمائة، فذهبوا الى بولاق، وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم. ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية.
وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة، وأشيع أنه قلده دفتردارية مصر، وذهب الى البرديسي، فخلع عليه أيضاً، وكذلك الألفي وذلك إكراماً له وتنويهاً بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه.
وفي ليلة الجمعة خامسه، وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد، يخبر فيها بوصول محمد بك الألفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الأربعاء ثالثه، وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو، ثم الى رشيد في يوم الأربعاء المذكور، وقصده الإقامة برشيد ستة أيام. فلما وصلت تلك الأخبار عملوا شنكاً، وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار، من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة. وأظهروا البشر والفرح، وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم، وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته المتآمرين حسداً لرئاسته عليهم وخمولهم بحضوره، فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتوا أمرهم مع كبار العسكر، وأرسل البرديسي كتاباً الى مملوكه يحيى بك نابعه حاكم رشيد، يأمره فيه بقتل الألفي هناك، وركب هو الى المنيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ وإسمعيل بك صهر ابراهيم بك وعمر بك الإبراهيمي الى بر الجيزة ليلة الأحد، ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبة الألفي الصغير، وعدى أيضاً قبلهم حسين بك الوشاش الألفي ونصب خيامه بحري منهم، فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه إليه فحضر مع مماليكه، وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر، فقالوا له: أين الخيول فإننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة. وها هو أوك الألفي قد ركب وهو مقبل، فنظر فرأى المشاعل والخيول، فلم يشك في صحة ذلك، ولم يخطر بباله خيانتهم له، فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه. فأسرعوا الى ذلك وبقي هو وحده ينتظر فرهسه، فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم، وأرسلوا الى ابرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والأرنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلاً، وكمنوا بمكان ينتظرون الإشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم، فلما علموا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به، وكان طبجي الألفي مخامراً أيضاً، فعطل فوالي المدافع، واستمروا في ترتيب الأمراء على القصر الى آخر الليل، فحضر الى األفي من أيقظه وأعلمه بقتل حسين بك وإحاطتهم بالقصر. فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده، وأعلموه بما فعل بالمدافع، فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين، وخرج من الباب الغربي وسار مقبلاً، فركب خلفه الأمراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تعبت خيولهم، ولم يكن معهم خيول كثيرة لأنهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر، واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب، لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر، دخله العسكر والأجناد ونهبوا ما فيه من الأثقال والأمتعة والفرش وغيرها. وكان كاتبه المعلم غالي ساكناً بالجيزة، وكذلك كثير من أتباعه ومقدميه، فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الأموال، ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها، ولم يتركوا بها جليلاً ولا حقيراً حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط، وأصبح الناس بالمدينة يوم الأحد لايعلمون شيئاً من ذلك إلا أنهم سمعوا الصراخ ببيت حسين بك جهة التبانة، وقيل إنه قتل ببر الجيزة، فصار الناس في تعجب وحيرة، واختلفت رواياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها، وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك إلا من صراخ أهل بيته، وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته، ويسأل ممن يدخل إليه عن الخبر، وأحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل، وصير في الصرة والكتبة، واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال اصرة وحسابها ولوازم ذلك، وبعد العصر أشيع المرور بالمحمل، فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب، وأصبح يوم الإثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وأمراؤه الى قراميدان وسلم المحمل، واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الأعظم الى العادلية، وأمامه الكسوة في أناس قليلة وطبل وأشاير، وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج، رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفراً من عسكر الأرنؤد، هذا ما كان من هؤلاء، وأما ما كان من أمر الألفي الكبير، فإنه لما حضر الى رشيد يوم الأربعاء ثالثه كما تقدم، قابله يحيى بك وعمل له شنكاً وطعاماً وما يليق به وسأله عن مدة إقامته برشيد، فقال له أريد الإقامة ستة أيام حتى نستريح، ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر، ولم يكن معه إلا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر، فاستأذنه يحيى بك في إرسال الخبر الى مصر ليأتي الأمراء الى ملاقاته، فلم يرض بذلك، ثم أنه لم يقم برشيد إلا ليلة واحدة، وأنزل أمتعته في أربع مراكب من الرواحل، وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل، وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل، وأهدى له البطروشي غراباً من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر، وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة، ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك، جهز له الألفي الصغير بحض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه. فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت، فاجتمعوا به عند نادر نصف الليل، فلما أصبح الصباح حضر إليه سليمان كاشف البواب، وقابله ورجع معه الى منوف العلا، فأقام هناك يوم الأحد وبات هناك، ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح، فلم يزل سائراً الى الظهيرة، فلاقاه عدة من عسكر الأرنؤد الموجهة إليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة، فسلم عليهم فرودا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم: أين تريدون فقال نريد الألفي، فقال لهم ها هو الألفي فسكتوا، ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الألفي فكذب ذلك وقال: هذا شيء لا يكون ولا يصح، إن إخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لأجل راحتنا، ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر، ثم أن طائفة منهم أدركت الغراب الذي قدمهله البطروشي، وكان متأخراً عن المراكب فصعدوا إليه وأخذوا ما فيه من المتاع، فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك. فأرسل إليهم بعض من معه من الأتراك ليستخبر عن شأنهم وأمرهم، ولم ينتظر رجوعه بالجواب، ولكنه أخذ بالجزم، ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن، وأمرهم أن يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك، وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر، فلاقاهم طائفة أخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي، وكان بعيداً عنهم فأعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه إياه، ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية. فنظر الى رجل ساع وأعلمه أنه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب بخبر الواقع، فعند ذلك تحقق الخبر، وطلع الى البر وأمر بتغريق القنجة، ومشى مع المماليك على أقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا، فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل. ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فأجارته ولبت دعوته وركبته فرساً وأصحبت معه شخصين هجانين، وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلاً والمماليك معه مشاة، فقابلهم جماعة من عرب بلي وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به، فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع الهجانة الى ناحية الجبل ومضى، فسمع الأجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك، فأسرعوا إليهم وسألوهم عن سيدهم، فقالوا إنه كان معنا وفارقنا الساعة، فأمر البرديسي من معه من المماليك والأجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من أدركه فليقتله في الحال، فذهبوا خلفه فلم يعثر به أحد منهم، وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها، فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذي على ظهره فاشتغلوا به، وتركهم وسار وغاب أمره. وجوخداره تتمة ستة عشر، فاستأذنه يحيى بك في إرسال الخبر الى مصر ليأتي الأمراء الى ملاقاته، فلم يرض بذلك، ثم أنه لم يقم برشيد إلا ليلة واحدة، وأنزل أمتعته في أربع مراكب من الرواحل، وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل، وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل، وأهدى له البطروشي غراباً من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر، وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة، ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك، جهز له الألفي الصغير بحض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه. فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت، فاجتمعوا به عند نادر نصف الليل، فلما أصبح الصباح حضر إليه سليمان كاشف البواب، وقابله ورجع معه الى منوف العلا، فأقام هناك يوم الأحد وبات هناك، ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح، فلم يزل سائراً الى الظهيرة، فلاقاه عدة من عسكر الأرنؤد الموجهة إليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة، فسلم عليهم فرودا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم: أين تريدون فقال نريد الألفي، فقال لهم ها هو الألفي فسكتوا، ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الألفي فكذب ذلك وقال: هذا شيء لا يكون ولا يصح، إن إخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لأجل راحتنا، ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر، ثم أن طائفة منهم أدركت الغراب الذي قدمهله البطروشي، وكان متأخراً عن المراكب فصعدوا إليه وأخذوا ما فيه من المتاع، فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك. فأرسل إليهم بعض من معه من الأتراك ليستخبر عن شأنهم وأمرهم، ولم ينتظر رجوعه بالجواب، ولكنه أخذ بالجزم، ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن، وأمرهم أن يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك، وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر، فلاقاهم طائفة أخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي، وكان بعيداً عنهم فأعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه إياه، ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية. فنظر الى رجل ساع وأعلمه أنه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب بخبر الواقع، فعند ذلك تحقق الخبر، وطلع الى البر وأمر بتغريق القنجة، ومشى مع المماليك على أقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا، فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل. ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فأجارته ولبت دعوته وركبته فرساً وأصحبت معه شخصين هجانين، وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلاً والمماليك معه مشاة، فقابلهم جماعة من عرب بلي وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به، فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع الهجانة الى ناحية الجبل ومضى، فسمع الأجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك، فأسرعوا إليهم وسألوهم عن سيدهم، فقالوا إنه كان معنا وفارقنا الساعة، فأمر البرديسي من معه من المماليك والأجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من أدركه فليقتله في الحال، فذهبوا خلفه فلم يعثر به أحد منهم، وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها، فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذي على ظهره فاشتغلوا به، وتركهم وسار وغاب أمره.
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الأجناد سائرين، لأنهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل إلا هو، وأخذوا في الاحتياط عليه ما أمكن، فأرسلوا عسكراً في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقاً وغرباً، فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة، وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي، وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الألفي الذي بالشرقية، وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق، وذهب علي بك أيوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف، فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادي، فلما وصل الى منوف فوجدوه، عدى الى الجهة الأخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي، وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا، وكان عندما بلغه الخبر الإجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الألفي له بنحو ثلاث ساعات، فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره، فوجد أمامه شاهين بك فأرسل يطلب منه أماناً، فأجابه الى ذلك وأرسل الى مصر من يأتي بالأمان واطمأن شاهين ليلاً، فلما أصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين، وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الألفي وما وقع له مع العرب، فطلبهم فأخبروه أنه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني. فقبل عليهم وأحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم، ووجد المماليك فقبض عليهم وأرسلهم الى البرديسي.
وأما مراكبه فإنه عندما نزل الى القنجة وفارقها، أردكها العسكر الذين قابلوه في المراكب. ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الأموال وظرائف الانكليز والأمتعة والجوخ والأسلحة والجواهر، فإنه لما وصل الى اقرالي أكرمه إكراماً كثيراً وأهدى إليه تحفاً غريبة، وكذلك أكابرهم، وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الأمانة يرسل له بها غلالاً وأشياء من مصر، واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر، وأرسل له بها القرالي بوليصة، وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك، وأما الألفي الصغير فإنه ذهب الى جهة قبلي، وفرد الفرد والكلف على ابلاد ومن عصي عليه أو توانى في دفع المطلوب، نهبهم وحرقهم، وأما صالح بك الألفي فإنه لما وصل إليه الخبر وقدوم الموجهين إليه، ركب في الحال من زنكلون، وترك حملته وأثقاله، فلم يدركوه أيضاً.
وفي يوم الثلاثاء، أحضروا مماليك الألفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي، وأرسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الأمراء بقبلي، وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا. وعثمان بك حسن بقنا، ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي، يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الألفي الصغير والكبير إن وردا عليهما، وأما شاهين بك فإنه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش، ثم رجع يوم الثلاثاء المذكور وأمامه العرب المتهمون بأنهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه، فأعطاهم جوهراً كثيراً وتركوه، وأحضروا صحبتهم حقاً من خشب وجدوه مرمياً في بعض الطرق، فأحضر البرديسي مماليك الألفي وأراهم ذلك الحق، فقالوا نعم كان مع أستاذنا وفي داخله جوهر ثمين، وأرسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب، وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله، فأخبره أنه لم يكن حاضراً في نجعه وأن أمه أو خالته هي التي أعطته الفرس والهجانة، فوبخه ولامه، فقال له: هذه عادة العرب من قديم الزمان، يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم، فحبسه أياماً ثم أطلقه، وقيل إنه مر عليه علي بك أيوم ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم، وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضاً.
وفي ذلك اليوم، خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد آغا شويكار الى جهة الشرقية، ومرزوق بك الى اقليوبية، يفتشون على الألفي.
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الألفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره، سافرت قافلة الحجاج بالمحمل الى السويس.
وفي يوم السبت، حضر علي بك أيوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل.
وفيه سافر قنصل الانكيز من مصر بسبب هذه الحادثة، فإنه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي، وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة، وكلمهما كلاماً كثيراً، منه أنه قال لهما: هذا الذي فعلتماه لأجل نهب مال القرالي، ومطلوب مني أربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة الى الألفي، وغير ذلك، فلاطفاه وأرادا منعه من السفر فقال: لا يمكن أني أقيم ببلدة هذا شأنها. وطريقتنا لا نقيم إلا في البلدة المستقيمة الحال، ثم نزل مغضباً وسافر وأراد أيضاً قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه.
وفي يوم السبت، طلب العسكر جماكيهم من الأمراء وشددوا في الطلب، واستقلوا الأمراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق آغا كلاماً كثيراً، فسعوا في الكلام مع الأمراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء، ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الأحد، فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة، فحولهم على القبط بمائتي ألف ريال منها خمسون على غالي كاتب الألفي، وثلاثون على تركة بقطر المحاسب، والمائة والعشرون موزعة عليهم، فسكن الاضطراب قليلاً.
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره، توفي ابراهيم أفندي الروزنامجي، وفيه حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم، وأرادوا أخذ القلعة، فلم يتمكنوا من ذلك، وقفل الناس دكاكينهم. وقتلوا رجلاً نصرانياً عند حارة الروم، وخطفوا بعض النساء وأمتعة وغير ذلك، وركب محمد علي ونادى بالأمان.
وفي يوم السبت عشرينه، حضر سليمان كاشف البواب بالأمان ودخل الى مصر.
وفي يوم الأحد أفرجوا عن كشاف الألفي المحبوسين.
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية، واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك، وذهب المنفوخ وإسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لأنه أشيع أن الألفي ذهب عند عرب المعازة، فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم، وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي وأعطوهم دراهم يفتشون على الألفي.
وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد، وتصدى لذلك المحروقي، وشرعوا في كتب قوائم لذلك، وزعوها على العقار والأملاك أجرة سنة يقوم بدفع نصفها المتستأجر والنصف الثاني يدفعه صاحب الملك.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرينه، شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الأجناد، وطافوا بالأخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الأجر، فنزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما هم فيه من الغلاء، ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الأرياف، فلما كان في عصر ذلك اليوم، نطق أفواه الناس بقولهم الفردة بطالة، وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه، أشيع إبطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة، وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى، فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاماً على الأمراء مثل قولهن: ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي، وصبغن أيديهن بالنيلة وغير ذلك، فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا أيضاً ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين، وحضر الجمع الكثير الى الجامع الأزهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الى اأمراء، ورجعوا ينادون بأبطالهم، وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم، وفي وقت قيام العامة، كان كثير من العسكر منتشرين في الأسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم: نحن معكم سوا سوا أنتم رعية ونحن عسكر، ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميري ليست عليكم، أنتم أناس فقراء، فلم يتعرض لهم أحد، وحضر كتخدا محمد علي مرسلاً من جهته الى الجامع الأزهر وقال مثل ذلك ونادى به في الأسواق، ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الأمراء ومالوا الى العسكر. وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية، فإن محمد علي لما حرش العساكر على محمد باشا، خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والأرنؤد، ثم بالأتراك عليه حتى أوقع به أيضاً، وظهر أمر أحمد باشا وعرف أنه إن تم له الأمر ونما أمر الأتراك لا يبقون عليه، فعاجله وأزاله بمعونة الأمراء المصرلية، واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا، ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيراً، ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه، كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصاً البرديسي، فإنه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر. واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدق وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره وأقامهم حوله في الأبراج، وفعل بمعونتهم ما فعله بالألفي وأتباعه، وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم، فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الأحجام، خوفاً من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني إليهم، فاضطروهم الى عمل ذهه الفردة، ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل، وعند ذلك تبرأ محمد علي والعسكر من ذلك، وساعدوهم في رفعها عنهم، فمالت قلوبهم إليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الأمراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم، وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الأمراء على الرعية باطناً، بل أظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر، وخرج من بيته مغضباً الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لابد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات، وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لأوامرنا، ثم أخذوا يدبرون على العسكر، وأرسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور، فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية، وإسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتينا من شرق اطفيح، والفريقان كانوا لرصد الألفي وانتظاره، وأرسلوا الى سليما بك حاكم الصعيد بالحضور من أسيوط بمن حوله من الكشاف والأمراء، والى يحيى بك حاكم رشيد وأحمد بك حاكم دمياط، وأصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة، وعلم الأرنؤدية منهم ذلك، فبادروا واجتمعوا بالأزبكية في يوم الأحد ثامن عشرينه، فارتاع الناس وأغلقوا الحوانيت والدروب، وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية، وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية، وتفرقوا على بيوت باقي الأمراء والكشاف والأجناد، وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الأرزاق والجماكي والعلوفات، ومنهم الطبجية وغيرهم. وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية، وجددها بعد تخريبها ووسعها، وأنشأ بها أماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة، وقيد بها طبجية وعساكر من الأرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالأبراج والبوابات التي أنشأها قبالة بيته بالناصرية، جهة قناطر السباع والجهة الأخرى كما سبق ذكر ذلك، فلما علم بوصول العساكر حول دائرته، وكان جالساً صحبة عثمان بك يوسف، فقال وقال له: كن أنت في مكاني هنا حتى أخرج وأرتب الأمر وأرجع إليك وتركه وركب الى خارج، فضربوا عليه الرصاص، فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة، وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب، وكان العسكر نقبوا نقباً من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والأجناد، فقاتلوا من وجدوه، وأوقعوا النهب في الدار وانضم إليهم أجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه، وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤوس، وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة، وذهبوا بهم الى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك. ه، وكان جالساً صحبة عثمان بك يوسف، فقال وقال له: كن أنت في مكاني هنا حتى أخرج وأرتب الأمر وأرجع إليك وتركه وركب الى خارج، فضربوا عليه الرصاص، فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة، وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب، وكان العسكر نقبوا نقباً من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والأجناد، فقاتلوا من وجدوه، وأوقعوا النهب في الدار وانضم إليهم أجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه، وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤوس، وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة، وذهبوا بهم الى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك.
وفي سابع ساعة من الليل، أرسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان، وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الإسكندرية بولايته على مصر، فذهبوا به الى القاضي وأطلعوه عليه وأمروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك، فلما أصبح أرسل إليهم، فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة، فأرسله إليهم واطلعوا عليه. وأشيع ذلك بين الناس، وأما ابراهيم بك فإنه استمر مقيماً ببيته بالداودية، وأمر مماليكه وأتباعه أن يجلسوا برؤوس الطرق الموصلة إليه، فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهشة المقابل لباب زويلة، وكذلك ناحية تحت الربع والقريبة، وجهة سويقة لاجين والداودية. وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك، ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى اصباح. واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والأجناد، ووصل إليهم خبر خروج البرديسي، فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بأرواحهم، وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي، وأنه إن استمر على حاله أخذ فركب في جماعة في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية، فلم يزل سائراً حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس. وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين، وأصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة. فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه، وقبضوا على عمر بك تابع الأشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه، وأما الذين بالقلعة من الأمراء فإنهم أصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الأرنؤد بالأزبكية الى الضحوة الكبرى، فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب، لم يسعهم إلا أنهم أبطلوا الرمي، وتهيؤوا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك، فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من أخذهم، ونهب المغاربة الضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق، وتسلم العسكر القلعة من غير مانع، ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة، ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد، وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملأوا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوة وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم آغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر، متقيدين ومرتبطيهن بها ليلاً ونهاراً، لا ينزلون الى بيوتهم إلا ليلة في الجمعة بالنوبة، إذا نزل أحدهم أقام الآخران، وطلع محمد علي إليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه وأمامهم المنادي ينادي بالأمان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي، وأشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر، فبادر المحروقي الى المشايخ، فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية، وقدم له المحروقي هدية وأقام على ذلك بقية يوم الإثنين ويوم الثلاثاء، فكان مدة حبسه ثمانية أشهر كاملة، فإنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الأول وهو آخر يوم منه وأطلق في آخر يوم من ذي القعدة، وخرج الأمراء على أسوأ حال من مصر، ولم يأخذوا شيئاً مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره إلا ما كان في جيوبهم أو كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف أبي دياب، فإنه كان مقيماً بقصر العيني، أو الغائبين منهم جهة قبلي وبحري، وأما من كان داخل البلد فإنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط، ونهب العسكر أموالهم وبيوتهم وذخائرهم وأمتعتهم وفرشهم، وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن، وتسلطوا على بعض بيوت الأعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم أدنى نسبة أو شبهة، بل وبعض الرعية إلا من تداركه الله برحمته أو التجأ الى بعض منهم أو صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ إليه منهم، ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها ما لا يوصف من تلك الأمور، وخربوا أكثر البيوت وأخذوا أخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والأدهان، وكان شيئاً كثيراً، وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الأمراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد، ولو رجع الأمراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب، لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن، وخابت فيهم الظنون، وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصاً ما فعلوه مع علي باشا من الحيل، حتى وقع في أيديهم، ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله، ثم طردوه وقتلوه فإنه وإن كان خبيثاً لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله، وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الألفي الكبير بعدما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة، وقاسى هول الأسفار والفراتين في البحر فجاوزه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل أتباعه وحبسهم وبصلهم، واتخذوهم أعداء وأخصاماً من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم إلا الحسد والحقد وحذراً من رئاسته عليهم، وكانت هذه الفعلة سبباً لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في أعينهم، فإن الألفي وأتباعه وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم فيه من مغارم الفلاحين وطلب الكلف، فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى، الى أن حصل ونزل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة، وخصوصاً كونها على يد هؤلاء وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر، وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا أنهم صاروا أتباعهم وجندهم مع أنهم كانوا قادرين على إزالتهم من الإقليم، وخصوصاً عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا، وأخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر. وحصنوا أبواب البلد بمن يثقون به من أجنادهم، ورسموا لهم رسوماً امتثلوها، فلو أرسلوا لهم بعد إيقاعهم بعلي باشا أقل أتباعهم وأمروهم بالرحلة، لما وسعتهم المخالفة، حتى ظن كثير ممن له أدنى فطنة حصول ذلك، فكان الأمر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم، ودخولهم الى المدينة ثانياً، وعند ذلك تحقق لذوي الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم، وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الألفي، وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون أتباعه ويخشونهم وخصوصاً لما سمعوه بوصوله على الهيئة المجهولة لهم، داخلهم من ذلك أمر عظيم، استمر في أخلاطهم يوماً وليلة الى أن أجلاه البرديسي ومن معه بشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم، وفرقوا جمعهم في النواحي حرصاً على قتل الألفي وأتباعه، فعند ذلك زالت هيبتم من قلوب العسكر وأوقعوا بهم ما أوقعوه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. ما فعلوه مع علي باشا من الحيل، حتى وقع في أيديهم، ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله، ثم طردوه وقتلوه فإنه وإن كان خبيثاً لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله، وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الألفي الكبير بعدما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة، وقاسى هول الأسفار والفراتين في البحر فجاوزه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل أتباعه وحبسهم وبصلهم، واتخذوهم أعداء وأخصاماً من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم إلا الحسد والحقد وحذراً من رئاسته عليهم، وكانت هذه الفعلة سبباً لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في أعينهم، فإن الألفي وأتباعه وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم فيه من مغارم الفلاحين وطلب الكلف، فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى، الى أن حصل ونزل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة، وخصوصاً كونها على يد هؤلاء وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر، وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا أنهم صاروا أتباعهم وجندهم مع أنهم كانوا قادرين على إزالتهم من الإقليم، وخصوصاً عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا، وأخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر. وحصنوا أبواب البلد بمن يثقون به من أجنادهم، ورسموا لهم رسوماً امتثلوها، فلو أرسلوا لهم بعد إيقاعهم بعلي باشا أقل أتباعهم وأمروهم بالرحلة، لما وسعتهم المخالفة، حتى ظن كثير ممن له أدنى فطنة حصول ذلك، فكان الأمر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم، ودخولهم الى المدينة ثانياً، وعند ذلك تحقق لذوي الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم، وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الألفي، وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون أتباعه ويخشونهم وخصوصاً لما سمعوه بوصوله على الهيئة المجهولة لهم، داخلهم من ذلك أمر عظيم، استمر في أخلاطهم يوماً وليلة الى أن أجلاه البرديسي ومن معه بشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم، وفرقوا جمعهم في النواحي حرصاً على قتل الألفي وأتباعه، فعند ذلك زالت هيبتم من قلوب العسكر وأوقعوا بهم ما أوقعوه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.